مقاربةُ التعلمٍ من بُعدٍ ليسَت فقط حديثَ المواطنينَ والأهلِ والمتعلمينَ والمعلمينَ، بل أضحَت حديثَ كلٍّ بيتٍ في لبنانَ والعالمِ. وقد ثبتَ لأرقى الدولِ، ولأكثرِها عصرنةً ودخولًا في العالم الرقميِّ، أنَّ التعلمَ من بُعدٍ هو الوسيلةُ الأسلمُ التي تشكّلُ بديلًا عنٍ التعليمِ الحضوريِّ في أزمنةِ الأزماتِ، وخصوصًا في ظلِّ تفشّي وباءِ كورونا، ولكنَّ السؤالَ المطروحَ في كلِّ دولةٍ هوَ كيفيةُ ملاءمةِ الإمكاناتِ الوطنيةِ مع متطلباتِ التعلمِ من بُعد، وجعلُ المنظومةِ التربويةِ في حالٍ منَ الجَهوزيةِ لتوفيرِ التعليمِ الجيدِ القابلِ للتقييمِ باستخدامِ هذه الوسيلةِ.
إنَّ مؤتمرَكُم اليومَ الذي يضمُ هذه الباقة الغنية من الخبراء والمتمكنين في هذا المجال، يشكل منصة لمقاربة التجارب والإمكانات وللنقاش الموصل إلى خارطة طريق تستفيد من كل الإمكانات لتحقيق خطوة فعلية في هذا المجال.
وتشكل مبادرة مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية برئاسة الدكتور أدونيس العكرة منصة جامعة للنقاش في مسالة ملحة نظرا لأهمية الموضوع لدى الوزارة ولدى كل المؤسسات المعنية بالتربية وبتكنولوجيا التعليم.
قد يكون أي قرار نتّخذه في هذا السياق مرضيًّا لجهّة معيّنة ومرفوضًا من جهّة أخرى، وهذا أمر طبيعي، إلّا أنّ موقع المسؤوليّة يلزمنا بالحفاظ على صحّة المجتمع بالدّرجة الأولى، وبالعمل بكلّ الأساليب الممكنة لتوفير التّعليم.
إنّنا نشدّد على المسلمات الّتي نصّ عليها البروتوكول الصحّي، لجهّة تدابير النّظافة والتّعقيم والتزام التباعد ومراقبة الحرارة وتطبيق الحجر على الحالات المُصابة والمُخالطين.
كما نشدّد على التزام المنازل في المناطق المقفلة، وبالتّالي اعتماد التعلّم عن بُعد بالإمكانات المتوافرة، لكنّ الحاجات والمتطلّبات كثيرة خصوصًا في التّعليم الرّسمي وجزء كبير من التّعليم الخاصّ.
هناك نقص كبير في أجهزة الكمبيوتر المحمول واللّوحي وفي الإنترنت والكهرباء. ولكنّ الحاجة ملحّة أيضًا إلى تدريب المعلّمين وتوفير المنصّات الملائمة وإلى الموارد الرقميّة المستدامة.
لقد توافرت للوزارة منصّة وموارد مجانيّة لفترة محدّدة، ولكنّنا نحتاج إلى تقوية الصناعة التربويّة الرقميّة الّتي تحول مناهجنا إلى دروس تفاعليّة.
التحدّي الماثل أمامنا يحتاج إلى التمويل وإلى الوقت وإلى الانخراط الفعلي من الجميع ومن دون استثناء في هذه الورشة الوطنيّة الكبيرة.
فهناك حاجة أيضًا إلى مواكبة هذه الخطوات مع تطوير التشريعات، وإلى إرساء نظام للتّقييم يكون فاعلًا ومعبّرًا عن السعي الدائم لجودة التعليم.
لقد تسبّب الحجر المنزلي والهلع من الوباء بضغوط نفسيّة على المواطنين والمعلّمين وخصوصًا على المتعلّمين، في ظلّ انسداد الأفق وغياب اللّقاحات والأدوية حتّى يومنا هذا، وبات الزامًا علينا العودة إلى التعليم المدمج والتزام المعايير بكلّ دقّة.
إننا منفتحون على كلّ المساهمات الرائدة الّتي ترفع مستوى الجهوزيّة في المدارس ولدى الأهل، كما نحيّي الجهود الّتي يبذلها فريق العمل في المركز التربوي للبحوث والإنماء وفي مديريّة الإرشاد والتّوجيه، لجهّة الإرشادات والموارد الرقميّة وتدريب المعلّمين والقيام بالأبحاث والدّراسات لتعزيز الخيارات الرقميّة.
نحن في حاجة إلى توفير بيئة رقميّة آمنة، وتصميم الدّروس التفاعليّة بالتّعاون بين المؤسّسات الوطنيّة والخبرات الخارجيّة. ونتطلّع إلى التعاون الصّادق مع الجميع حرصًا على مصالح شبابنا.
وشكرا لتعاونكم
تجمعُنا اليومَ، كمعنيينَ في حقلِ التربيةِ والتعليمِ، في هذهِ الورشةِ، كلمتانِ جوهريَّتان: الهمُّ والاهتمامُ. همُّنا في أنْ نُيَسِّرَ لأَولادِنا سبلَ التعليمِ في ظلِّ المستجداتِ، والاهتمامُ في أنْ يراعيَ هذا التعليمُ معاييرَ الجودةِ، وأنْ يؤتيَ ثمارهُ، تحتَ سقفِ الامكاناتِ المتوافرةِ لدى أولياءِ القرارِ.
أعزائي،
يأتي تكليفُنا منْ قِبلِ وزيرِ التربيةِ والتعليمِ العالي الدكتور طارق المجذوب، مشكورًا، بمهامِ رئاسةِ المركزِ التربويِّ للبحوثِ والإنماءِ لحينِ تعيينِ رئيسٍ للمركزِ وفاقًا للأصولِ، في ظلِّ ظروفٍ قسريةٍ مِنِ انعدامِ استقرارٍ اقتصاديٍّ واجتماعيٍّ، إلى خطرٍ صحيٍّ، نتيجةً للأوضاعِ التي تمرُّ بها البلادُ من ضائقةٍ اقتصاديةٍ واستفحالِ جائحةِ كورونا، تحديًّا لنا وللمؤسسةِ التي نمثِّلُ. فالظروفُ المذكورةُ تتحكَّمُ، مجتمعةً، بانطلاقِ العامِ الدراسيِّ (على الأقلِّ بالنسبةِ لبعضِ المراحلِ والصفوفِ) كما بشكلِهِ وبالترتيباتِ الواجبِ اتخاذُها لإنجاحِهِ، ما يَضعُنا أمامَ اختبارٍ لقدرتِنا كمؤسسةٍ وكمجتمعٍ تربويٍّ وصحيٍّ واجتماعيٍّ على تجاوُزِ المحنةِ، لا بلْ المحنِ.
إنَّ ما طالَ العامَ المنصرمَ منِ انقطاعِ المتعلمينَ عنْ مدارسِهِمْ، مع ما اسْتتبَعَهُ من نقصٍ في المُكتسباتِ لديْهِمْ، واعتمادَ التعليمِ الوجاهيِّ المتقطِّعِ على مجموعاتٍ اسبوعيةٍ، أوِ التعليمِ المُدمَجِ، أوِ التعليمِ عنْ بعدٍ بشكلٍ كاملٍ، دفعَ المركزَ التربويَّ، تحدوهُ مسؤوليتُهُ تجاهَ أبناءِ الوطنِ وبناتهِ، إلى تحديدِ المواضيعِ المستمرةِ بينَ الصفوفِ، والمضامينِ التعليميَّةِ الأساسيةِ والمحتوى العلميِّ ذي الصلةِ بالأهدافِ الأساسية لمناهجِ الموادِ التعليميةِ، استنادًا إلى معاييرَ واضحةٍ، منْ ضمنِها، المكتسباتُ التي سيتمُ البناءُ عليها في الصفِّ عينِهِ وفي الصفوفِ والمراحِلِ التي تلي، والموضوعاتُ الضروريةُ لجهةِ المعارفِ و/أوِ المهاراتِ و/أوِ المواقفِ و/أوِ القيمِ الواجبِ غرسُها بحسبِ المرحلةِ العمريَّةِ للمتعلمينَ.
كما قامَ المركزُ التربويُّ بوضعِ النّسخةِ الإلكترونيّةِ منَ الكتابِ المدرسيِّ الوطنيِّ CRDP e-books، في متناولِ المعلّمينَ والمعلِّماتِ والمتعلّمينَ والمتعلِّماتِ وأولياءِ الأمورِ في لبنانَ، كذلكَ الأدلّةِ التربويّةِ العائدةِ لهُ، لمراحلِ التعليمِ العامِّ ما قبلَ الجامعيِّ، منَ الرّوضةِ حتّى الثّانويِّ الثّالثِ بجميعِ فروعِهِ، ولجميعِ الموادِّ الدراسيّةِ، استجابةً لجهودِ وزارةِ التربيةِ والتعليمِ العالي في لبنانَ، لتسهيلِ فرصِ التعلُّمِ عنْ بُعْدٍ للبنانيينَ جميعًا، في ظلِّ جائحةِ كورونا.
وعملَ المركزُ التربويُّ على تطويرِ هذا التطبيقِ CRDP e-books، الذي هو مجانيٌ ومتاحٌ لجميعِ المهتمينَ بالكتابِ الوطنيِّ، لإتاحةِ تحميلِ النّسخةِ الالكترونيّةِ منهُ، بحيثُ يتمكَّنُ المتعلّمونَ معَ بدايةِ العامِ الدراسيِّ الحالي، وعبرَ الاتصالِ بشبكةِ الانترنتْ لمرّةٍ واحدةٍ، منْ تحميلِ جميعِ كتبِهِمِ المدرسيةِ عبرَهُ، كلٌّ بحسبِ صفِّهِ، معْ رخصةِ استخدامٍ صالحةٍ طوالَ العامِ الدراسيِّ دونما حاجةٍ للاتصالِ الدائمِ بالانترنتْ.
أضِفْ أنّ هذا التطبيقَ قابلٌ للتطويرِ، بحيثُ يمكنُ في مرحلة مقبِلةٍ من هذا المشروع، جعلُ الكتبِ والأدلّةِ تفاعليّةً، تُفسِح في المجالِ أمام التواصلِ والتفاعلِ بين المعلّمِ والمتعلّمِ. إننا نأملُ في أنْ يخفِّفَ هذا الإنجازُ المتواضعُ، من وطأةِ التّحدياتِ التي تواجهُ المعلّمينَ/ات والمتعلّمين/ات في المدارسِ والثّانوياتِ الرّسميّةِ، في فترةِ التعلُّم عنْ بُعْدٍ، وأن تشكِّل جزءًا، ولو يسيرًا، منَ الجهودِ التي تستحقُّها المدارسُ عامةً، والرّسميّةُ منها على وجهِ الخصوصِ، كيْ تكونَ على مستوى آمالِ اللبنانيينَ وظروفِهِمْ وحاجاتِهِمْ.
ويجري العملُ حاليًّا على تشبيكِ مواردَ رقميَّةٍ مفتوحة المصدر، على محتوى الموادِّ التعليمية، حسبَ مراحلِ التعليمِ المختلفةِ، كما يعملُ المركزُ على إنتاجِ مواردَ رقميةٍ لمحتوى الموادِّ، من الصفِّ الأول من التعليمِ الأساسي حتى السادسِ منهُ.
وحيثُ إنَّ تدريبَ المعلمينَ هوَ مِن أبرزِ مهامِ المركزِ التربويِّ للبحوثِ والإنماءِ، أنجزَ المركزُ خطةً لتدريبِ هؤلاءِ عنْ بعدٍ، بهدفِ تيسيرِ مواكبتِهِمْ للمستجداتِ، بدأَ تنفيذُها يومَ الإثنين 26/10/2020، وتشملُ التدريبَ غيرَ المتزامنِ عنْ بُعد، والتدريبَ المتزامنَ عنْ بعدٍ. أمَّا الأولُ (أي التدريبُ غيرُ المتزامنِ عنْ بُعد) فيهدفُ إلى تعليمِ التصفُّحِ والبحثِ عبرَ الانترنتْ بشكلٍ آمنٍ وفعَّالٍ، واستخدامِ منصةِ مبادرةِ التعلُّمِ الرقميِّ التي تشكِّلُ بيئةً متطورةً للتعلُّمِ عنْ بعدٍ، بالإضافةِ إلى استخدامِ ميكروسوفت "تيمز" منْ أجلِ تعليمٍ وتعلُّمٍ أفضلَ، وتصميمِ دروسٍ وتحضيرِها للتعليمِ المُدمجِ، في حين يهدِفُ الشكلُ الثاني من تدريبِ المعلِّمينَ (أي التدريبُ المتزامنُ عنْ بُعد) إلى ابتكارِ وتنفيذِ أنشطةِ دعمٍ نفسيٍّ-اجتماعيٍّ، وإلى شرح كيفية التعامل مع تقليصِ المناهجِ التعليميَّةِ بِما يتَماشى معْ مقتضياتِ التعلُّم عنْ بُعْدٍ. ويأتي هذا التدريبُ عنْ بُعدٍ عَقِبَ تفعيلِ التعاونِ والتنسيقِ بين فريقَيْ العملِ في المركزِ التربويِّ ووزارةِ التربيةِ والتعليمِ العالي، الذي سيسهِّلُ تطبيقَ نظامِ ادارةِ التدريبِ كما وربْطَ نظامِ ادارةِ التعلُّمِ Classera المعتَمدِ مِنْ قِبَلِ الوزارةِ بمنصَّةِ مبادرةِ التعلُّمِ الرقميِّ DLI المعتمدةِ مِنْ قِبَلِ المركزِ التربويِّ للبحوثِ والانماءِ.
أما في ما يختصُّ أيضًا بخططِ المركزِ للمرحلةِ المقبلةِ، والتي تنصبُّ على موضوعِ الساعةِ على الصعيدِ التربويِّ، أي التعلُّمِ عنْ بُعْدٍ والتعلُّمِ الرقميِّ، فإننا نعملُ حاليًّا على إصدارِ دليلِ المعاييرِ لإنتاجِ المواردِ التعليميَّةِ الرقميَّةِ: وإنشاءِ مصنعٍ لانتاجِ المواردِ الرقميةِ، كما نعملُ على وضعِ آلياتٍ إداريةٍ وتربويةٍ وتقنيةٍ خاصةٍ بهذا المصنعِ الذي يستقطِبُ كلَّ الطاقاتِ القادرةِ على إنتاجِ مواردَ رقميةٍ، مِنْ متطوعينَ ومؤسساتٍ راغبةٍ في مشاركةِ كفاءاتِها وخبُراتِها في هذا المجالِ معَ المركزِ التربويِّ للبحوثِ والإنماءِ الذي يرحِّبُ بأيِّ مبادرةٍ من هذا النوعِ.
إن إنجازَ هذه الخططِ وغيرِها بنجاحٍ يستدعي وضعَ استرتيجيةِ تواصلٍ بينَ المركزِ والمجتمعِ التربويِّ كما المجتمعِ اللبنانيِّ عامةً، إذْ يرتبطُ النجاحُ بعدمِ التفرُّدِ بالقرارِ، بلْ بِتبادلِ الخُبُراتِ والأفكارِ معَ الفاعلينَ في المجتمعِ التربويِّ، في قطاعَيْهِ العامِّ والخاصِّ، وباستقاءِ الاقتراحاتِ مِنَ المجتمعِ اللبنانيِّ، عَبْرَ آلياتٍ ووسائلَ لا تقتصِرُ على الاستماراتِ أو استمزاجِ المُناخِ العامِّ السائدِ لدى أولياءِ طلابِنا الأعزاءِ حولَ التعلُّمِ الرقميِّ، لجهةِ الإمكانياتِ المتاحةِ أمامَ أبنائِهِمْ مِنْ تجهيزاتٍ وبنىً تحتيةٍ ولجهةِ حدودِ هذا التعليمِ وفاعليتِهِ في الظروفِ المتوافرةِ.
إن المركزَ التربويَّ إذْ يعوَّلُ على التربيةِ في بناءِ الإنسانِ ومن خلالِهِ الوطنِ، وإذْ يرى نفسَهُ أحَدَ الفاعلينَ في الحقلِ التربويِّ وبالتالي الإنساني والقِيَميِّ، وليسَ الفاعلَ الأوحدَ لبلوغِ هذِهِ الغايةِ، يَمُدُّ يدَهُ للجميعِ في سبيلِ توحيدِ مقاربةِ التعلُّمِ عنْ بُعْدٍ، أوْ تجاوُزِ الاختلافاتِ في اعتمادِ المقاربةِ الأنسبَ، تَوصُّلًا لاتمامِ العامِ الدراسيِّ الرَّاهِنِ بأقلَّ ما يُمكِنُ من الأضرارِ والبناءِ في هذا المجالِ للمُقبِلِ مِنَ السنواتِ...
في الختام، كلُّ الشكرِ لمركزِ تموز بشخصِ رئيسِهِ الدكتور أدونيسِ العكرة على هذِهِ الورشةِ القيِّمَةِ في موضوعِها، الجامعةِ في الخبراتِ المشاركةِ فيها. وإننا، كمركز تربوي للبحوث والإنماء، إذ نعبِّرُ عن خالصِ تقديرِنا لهذِهِ المبادرةِ المتقدِّمَة، ندعو كافةَ المهتمينَ بالقطاعِ التربويِّ إلى تضافرِ الجهودِ والعملِ معًا لما فيهِ مصلحةُ التربيةِ في وطنِنا لبنانَ والإنسانِ فيه، لا سيما أجيالُ المتعلِّمينَ.