برعاية وزيرة التربية والتعليم العالي الدكتورة ريما كرامي، نظّم المركز التربوي للبحوث والإنماء "الملتقى الوطني حول تربية الطفولة المبكرة"، بمشاركة وزيري الصحة الدكتور ركان ناصر الدين، والشؤون الاجتماعية حنين السيد، وعدد من النواب، وممثلين عن الوزارات المعنية، والمؤسسات التربوية، والجامعات، والنقابات، ولجان الأهل، ودور النشر والروابط التعليمية.
وهدف الملتقى إلى إطلاق نقاش وطني تشاركي حول تطوير سياسات تربية الطفولة المبكرة، وتعزيز العدالة التربوية، من خلال الشراكة الفعلية بين القطاع العام والخاص والمجتمع المدني، بما يضمن بيئة تعليمية شاملة لجميع أطفال لبنان.
استهلت اللقاء رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء الدكتورة هيام إسحق، فأكدت أن انعقاد الملتقى يشكّل تتويجًا لجهودٍ متواصلة يبذلها المركز منذ سنوات في سبيل النهوض بملف الطفولة المبكرة، انطلاقًا من إيمانه العميق بأن هذه المرحلة التأسيسية تُعدّ ركيزة أساسية لكل إصلاح تربوي حقيقي.
وشدّدت إسحق على أن المركز التربوي انطلق من الواقع اللبناني المتعدّد والمرهَق، ومن التحديات البنيوية والتربوية، لوضع إطار علمي ووطني لتربية الطفولة المبكرة، يراعي الخصوصية اللبنانية، ويستند إلى مقاربات شاملة، قائمة على الإنصاف والتنوع، والانفتاح على كل طفل أينما وُجد.
واعتبرت أن "الإطار العام لتربية الطفولة المبكرة"، الذي أنجزه المركز، هو مرجعية وطنية تتكامل فيها السياسات التربوية مع البيئات الاجتماعية والنفسية والصحية، ويهدف إلى الربط بين التعليم والتعلم، وبين المدرسة والأسرة والمجتمع، ليشكّل أساسًا لتخطيط مؤسساتي متماسك لا يخضع للاجتهادات الفردية.
من جهتها، أكدت الوزيرة كرامي أن هذا المؤتمر يشكّل "نداءً وطنيًا حول قضية محورية في مستقبل التعليم"، مشيرةً إلى أن الطفولة المبكرة لم تعد مرحلة تمهيدية بل أساسٌ للعدالة التربوية والتنمية البشرية. وأضافت: "بدأنا خطوات، لكن لا تزال هناك فجوة كبيرة ناجمة عن غياب التنسيق الفعّال بين وزارات التربية، الصحة، والشؤون الاجتماعية". واقترحت أن تتحول "المدرسة الوطنية" إلى مركز خدمات متكامل للطفولة المبكرة بإشراف وزارة التربية، وبمساندة من الوزارات الأخرى.
كما دعت كرامي إلى "إعادة رسم أدوار جميع الشركاء بوضوح"، واعتبرت أن وزارة التربية هي المرجعية الأكاديمية، بينما تتولى الوزارات الأخرى الأدوار الداعمة في الرعاية الصحية والاجتماعية. وأعلنت البدء بوضع أطر مرجعية ومناهج وطنية، مؤكدة: "نحتاج إلى الانتقال من القول إلى الفعل، ومن التخطيط إلى التنفيذ، ومن المبادرات المتفرقة إلى استراتيجية وطنية واحدة".
وركز وزير الصحة ركان ناصر الدين، على أهمية التعاون بين الوزارات، لاسيما في ما يتعلق بخلق بيئة صحية وسليمة تتيح تنمية قدرات الأطفال منذ اللحظات الأولى لحياتهم. وأكد أن "الاستثمار في الطفولة المبكرة هو استثمار في مستقبل الوطن"، مشيرًا إلى ضرورة وضع رؤية شاملة تتكامل فيها أدوار الوزارات.
أما المدير العام لوزارة التربية فادي يرق، فرأى أن اللقاء يمثّل محطة محورية في الخطة الاستراتيجية للتحول التعليمي في لبنان، لافتًا إلى أن السنوات الأولى من حياة الطفل تُعدّ القاعدة الأساسية لبناء رأس المال البشري. وأوضح أن "نسبة الالتحاق في مرحلة الطفولة المبكرة بلغت 86%، بفضل جهود الوزارة في تجهيز 250 مبنى لرياض الأطفال وافتتاح 728 مدرسة رسمية تقدم هذا التعليم".
وحذّر يرق من التحديات المقبلة، خصوصًا في ما يتعلق بأعمار المعلمين وغياب التدريب المهني المستدام، مؤكدًا الحاجة إلى إنشاء "دائرة متخصصة بالطفولة المبكرة" داخل المديرية العامة للتعليم الأساسي، وتعديل المراسيم لتثبيت هذه المرحلة كجزء أساسي من التعليم الرسمي.
بعد انتهاء الكلمات قدّمت كل من وزارات التربية، الصحة، والشؤون الاجتماعية عرضًا للمسار الذي اتبعته في إطار برنامج الطفولة المبكرة. كما استعرضت الدراسات التي أُجريت في هذا السياق، وطرحت مجموعة من الاقتراحات والتوصيات الهادفة إلى تطوير هذا القطاع.
في الختام، شدّد المتحدثون على أن تربية الطفولة المبكرة ليست ترفًا، بل قضية وطنية جامعة، وأن مستقبل لبنان يبدأ من السنوات الأولى، ما يستوجب إرادة سياسية، رؤية واضحة، وشراكة مسؤولة تضمن حق كل طفل في انطلاقة عادلة وآمنة.