ضمن مسار تحديث المناهج التربوية في لبنان، عقدت لجنة الرياضة والصحة في المركز التربوي للبحوث والإنماء سلسلة اجتماعات مكثفة ناقشت خلالها سبل تطوير مادة التربية البدنية والرياضية، بما يتناسب مع حاجات المتعلّمين، ويلبّي التوجهات التربوية الحديثة في ما يخص الصحة الجسدية والنفسية.
في هذا السياق، أشار الدكتور طارق عساف، منسق اللجنة، إلى أن العمل يتركز حاليًا على ثلاث كفايات أساسية: الكفاية المرتبطة باللياقة البدنية، الكفاية المتعلقة بالمهارات الحركية، والكفاية الخاصة بالصحة بمفهومها الجسدي والنفسي. وأوضح أنّ "لكل كفاية نواتج تعلم واضحة"، مشددًا على إدراج مفاهيم مثل الانتماء للوطن، الروح الرياضية، المثابرة وبناء الشخصية ضمن الأنشطة التربوية المتكاملة. ولفت إلى أنّ اللجنة تسعى أيضًا إلى أن تصبح مادة التربية البدنية جزءًا من الامتحانات الرسمية، ما يعزّز من موقعها داخل النظام التربوي اللبناني.
وفي إطار مكمّل، أكّد الدكتور محمد عبدالسلام ياسين أنّ المنهج الجديد يعمل على مواكبة التطور العلمي والتكنولوجي في المجال التربوي. وقال: "نهدف إلى إيصال الكفايات والنواتج بطريقة مبسطة وموضوعية، بما يضمن وصولها إلى جميع المتعلمين في لبنان، مهما اختلفت مناطقهم أو ظروفهم".
من جهتها، شدّدت البروفيسورة هلا يوسف،عضو اللجنة، على ضرورة أن يتماشى المنهج مع أعمار الطلاب وقدراتهم الجسدية والذهنية. وأضافت: "عندما يعتاد التلميذ منذ الصغر على ممارسة الرياضة، خاصة إذا أصبحت جزءًا من الامتحانات الرسمية، نكون قد ساهمنا في تنشئة مواطن صحيّ يتمتّع بنمط حياة متوازن، وهذا ينعكس إيجابًا على المجتمع ككل".
وفي مداخلة أخرى، أشار الدكتور بشير عبد الخالق إلى أنّ نجاح هذه المناهج لا يكتمل من دون توفير البنية التحتية والتجهيزات اللازمة داخل المدارس. وقال: "لا يمكن أن نطالب بتطبيق مناهج جديدة من دون أن نؤمّن الأساتذة المختصين والتجهيزات الضرورية. نحن بحاجة إلى استثمار فعلي في هذا القطاع إذا أردنا تحقيق تغيير حقيقي".
إلى ذلك، أكّد الدكتور نديم ناصيف أنّ إدراج مادة التربية البدنية ضمن فحوص الشهادة الثانوية اللبنانية يشكل أولوية للجنة. واعتبر أنّ هذا الإجراء من شأنه أن يُشجّع المدارس على تطوير برامج التربية البدنية منذ الصفوف الأولى، قائلاً: "أرسلنا بالفعل مقترحاتنا إلى المركز التربوي، ونحن نتابع كل خطوة لضمان تطبيق هذا التصوّر".
وفي الاتجاه ذاته، أشارت الأستاذة سولونج أبو غصن إلى أهمية الامتحانات الرسمية في تحفيز الجدية على صعيد مادة التربية البدنية. وقالت: "عندما تصبح المادة جزءًا من التقييم الرسمي، يصبح العمل عليها أكثر تنظيماً وفاعلية. وهذه المادة ليست فقط للرياضة الجسدية بل للصحة النفسية أيضًا".
وفي هذا السياق، قدّم الدكتور فادي فياض، عضو لجنة الرياضة والصحة، مداخلة لافتة حول الطابع المحلي للمنهج اللبناني، مشيرًا إلى إدراج الألعاب التراثية مثل السيف والترس والمحدلة، إلى جانب الألعاب الجماعية والفردية. واعتبر أن "هذا الدمج يعطي المنهج خصوصيته اللبنانية ويعزّز الشعور بالانتماء الثقافي لدى التلاميذ".
ومن جهة أخرى، عرض الدكتور رياض عقيقي ملاحظاته بشأن واقع المناهج الراهن، مشيرًا إلى أن "المنهج اللبناني لم يُجدّد منذ عام 1997، في وقت تعمل فيه دول أخرى على تحديث مناهجها كل سنتين". ولفت إلى أن اللجنة تسعى، من خلال الاجتماعات المستمرة، إلى إنتاج منهج حديث ومتكامل يعكس التطورات المحلية والدولية في آنٍ واحد.
أما الدكتور سامر العطر، عضو اللجنة، فشدّد على أن نجاح تطبيق هذا المنهج يتطلّب تنسيقًا دائمًا مع وزارة التربية، لتأمين الموارد البشرية والمادية اللازمة. وأضاف: "نحن نعمل لتكون مادة التربية البدنية والصحية جزءًا فاعلًا في بناء المواطن، وليس مجرّد نشاط هامشي".
من خلال هذا النقاش المفتوح والغني، تؤكّد لجنة الرياضة والصحة التزامها الراسخ بإطلاق منهج حديث في التربية البدنية يراعي التوازن بين العقل والجسد، ويُشكّل خطوة حيوية في مسار إصلاح النظام التربوي في لبنان.