يستكمل المركز التربوي للبحوث والانماء بخطى ثابتة مراحل تطوير منهجي مادة التربية الوطنية والتنشئة المدنيّة ومادة الفلسفة والحضارات. وقد نشطت رئيسة المركز على محاور عدّة وعقدت اجتماعات مكثّفة مع لجان التأليف ومع "هيئة متابعة خطة تقييم وتطوير الهيكلية والمناهج التعليمية" من جهة، ومع "الهيئة العليا لتطوير الهيكلية ومناهج التعليم العام ما قبل الجامعي" برئاسة وزير التربية من جهة أخرى ومع "الفريق التربوي الاستشاري في إطار الهيئة العليا" لوضع اللمسات الأخيرة على الصيغة النهائيّة لكل من المنهجين ليصار الى وضع النسخة النهائية المنقحة وفقًا للملاحظات التي وردت على مدى الأشهر السابقة، على أن تصادق عليهما الهيئة العليا تمهيداً لسلوكهما المسار الرسمي إلى مجلس الوزراء للموافقة على اعتمادهما رسميّاً.
يمتاز المنهجان بالمقاربة المعتمدة التي تماشي متطلبات متعلّم القرن الواحد والعشرين وتلائم سمات المتعلّم-المواطن في لبنان التي يعمل المركز على تطويرها.
وعليه، ارتكزت كفايات مادّة التربية على القضايا الإنسانيّة والوطنيّة وعلى قيمة الإنسان الفرد وهويته وانتمائه كمواطن فاعل ومشارك ومسائل ومحاسب، مسالم لا مستسلم، ذو مناعة وطنيّة تجعله ممارساً حقّه، مدافعاً عنه غير معتدّ، ملتزم ثقافة احترام القانون؛ قادر على عيش التنوّع ضمن الوحدة محافظاً على أصالة ثراثه وقيَمِه الوطنيّة والاجتماعيّة ومنفتحاً على كلّ ما يدفع به باتجاه العلم والتطور التكنولوجي واكتساب المهارات الرقميّة على أمل أن يكون منتجاً ومبتكراً ومبدعاً، لا مجرّد مستهلك؛ أن يكون مفكّراً ناقداً ومحلّلاً قادراً على رصد المشكلات ومستعداً للمشاركة في إيجاد الحلول العلميّة لها وتنفيذها وتقويمها وتطويرها؛ أن تتخطّى اهتماماته مصالحه الشخصيّة والآنيّة وأن ينحو إلى الدفاع عن القضايا الإنسانية والعالم.
وقد ارتكزت كفايات الفلسفة على القراءة التحليليّة للنصّ والكتابة الفلسفية والنقاش الفلسفيّ. وهي كفايات تهدف إلى مساعدة المتعلّم على استخدام عقله استخدامًا سليمًا كي يتدرّب على التفكير الحرّ والتحليل الذاتي والتساؤل الرصين. إنّ المنهج الجديد هو تلبيةً لتوصيات ورش العمل والمؤتمرات والدراسات التربوية العديدة التي عُقدت منذ فترة، من أجل تطوير منهج الفلسفة ضمن رؤية حديثة وملائمة تشدد على خصوصية الفلسفة، ولا سيما بعد أن دُمجت في المنهج السابق بالحضارات الى حدّ ضياع هويتها. فالمنهج الجديد يلحظ منهج موحّد لمادة الفلسفة بعد أن كانت مقسّمة إلى مادَتين (الفلسفة العربيّة والفلسفة العامّة). أهميّة توحيد المنهج من الناحية التربويّة يُسهم على غرار المواد الأخرى، في خلق تفاعل قويّ مع المواد التعليميّة الأخرى ضمن رؤية متكاملة للفلسفة ويُبيّن موقع الفلسفة العربية الصحيح في مقاربة المسائل الفكريّة مقاربة شاملة والخروج من ثنائيّة مادة الفلسفة العالقة في ذهن المتعلّم والانخراط في مسار الفلسفة العالمي، إذ إنّ الفكر العربيّ هو جزء منه، ما يُعزّز مكانته في السياق الفلسفيّ العام. إضافة الى ذلك، يلحظ هذا المنهج انفتاح الصفوف العلميّة على الفلسفة العربيّة ضمن سياق الفلسفات العالميّة بعد أن حُرموا منها لسنين طويلة، خصوصًا وأنّ نسبتهم تفوق ال 90% من مجموع متعلّمي الثانوية العامّة، ما يُعزّز أهمّيتها ومكانتها، ولا سيّما أنّ الفلسفة العربيّة كانت تُدرّس ضمن صفوف الإنسانيّات فحسب.