"مادّة التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة وتعليمها في لبنان: الواقع والتصوّرات"[1]
خلال العام 2016، أنجز المركز التربوي للبحوث والإنماء دراسة حول "مادة التربية الوطنية والتنشئة المدنيّة وتعليمها في لبنان: الواقع والتصوّرات"، بالتعاون مع مؤسسة أديان والمركز الثقافي البريطاني. أعدّ البحث د. سوزان عبد الرضا أبو رجيلي[2] ود. وديعة الخوري[3].
سعت الدراسة إلى استكشاف نظرة التلاميذ وأهلهم ورصد نظرة معلّميهم حول مادة التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة. كما هدفت إلى معرفة واقع الممارسات التربويّة والتعليميّة، وإلى تحديد المشاكل التي يواجهونها ونقاط القوّة التي يصرّحون عنها.
شملت أدوات البحث ثلاث استمارات هي: إستمارة التلميذ، إستمارة المعلّم وإستمارة الأهل. تضمّنت هذه الاستمارات أسئلة عن خصائص المجيبين، نظرتهم إلى المواطنة، تصورّاتهم حول مادّة التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة وواقع تعليمها وتعلّمها، الصعوبات التي يواجهها في هذه المادّة والاقتراحات لتطويرها.
تمّ تنفيذ العمل الميداني في تشرين الثاني 2015 ضمن 270 مدرسة، تضمّ 360 شعبة من صفي التاسع أساسي والثالث ثانوي، بشكل يراعي التوزّع بين القطاعين الرسمي والخاص، وبين المحافظات. وقد تمّ اخنيار هذين الصفّين بصفتهما يمّثّلان نهاية مرحلتين مهمّتين من التعليم ما قبل الجامعي، بحيث يكون التلاميذ قد اكتسبوا خبرة تعلميّة متراكمة تسمح لهم بسرد واقع المادّة التي عايشوها خلال سنوات.
أتت تركيبة العيّنة متناسبة مع توزّع المجتمع الأصلي، ما يسمح بتعميم نتائج الدراسة على مجموع تلاميذ الصفّين التاسع أساسي والثالث ثانوي في لبنان.
شارك في الإجابة على الاستمارات 5312 تلميذا و96,6% من أهلهم (5151 شخصاً)، بالإضافة إلى 302 معلمًا.
من أبرز نتائج الدراسة:
- مادة التربية الوطنية كما يتمّ تعليمها حاليا هي مادّة تعليميّة للمدرسة وليست للحياة.
- تركّز المادة على مفاهيم المواطنة بحدودها الدنيا، أي التي تكتفي بالمعارف النظرية وبعض الأنشطة البسيطة، دون أن ترتقي الى مستوى المواطنة الفاعلة والتشاركيّة.
- المعلّم يشعر أنّه وحيد ومتعايش مع الصعوبات، واللافت هو طغيان الصعوبات السياسيّة والاجتماعيّة على الصعوبات المتعلّقة بالمنهج وبالنظام التعليمي.
- ثمة مساحة محدودة في استخدام التكنولوجيا، مع رغبة ملحوظة في تعزيزها.
- طغيان طرائق التعليم المرتكزة على المعرفة ونقلها، مع تزايد استخدام بعض الطرائق البنائيّة التفاعليّة، لاسيّما بين المعلّمين الذين باتوا يتدرّبون على هذه الطرق مؤخراً، ومعظمهم من المدارس الرسمية.
- وجود هوّة بين ما يصبو اليه المعلمون وبين استعدادهم لتغيير نظرتهم للمادة وطريقة تعليمها.
- نقص الدافعيّة لدى التلميذ، مع وعي لافت لمشاكل المادّة.
- إعتماد الكتاب المدرسي كمرجع موحّد، غير أنه لا يشبه الواقع اللبناني إلاّ جزئيًّا.
- ثمّة إجماعٌ وطني فريد من نوعه حول الحلول المقترحة.
من التوصيات الأساسية:
لجهة مساهمة المادة في التغيير الاجتماعي:
- الانطلاق من الاقتراحات المقدّمة من قبل التلاميذ والمعلّمين والأهل المشاركين في هذا البحث الميداني، ومراعاتها قدر الإمكان خلال وضع تصوّر جديد لمناهج التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة ومحتوياتها وطرائق التعليم والتقييم المعتمدة فيها.
- رسم سياسة توعية مدنيّة للأهل تتبنّاها المدارس ووسائل الإعلام، وتتكامل مع محتوى المادة.
- تنظيم نشاطات مدرسيّة جامعة بين المؤسسات التربويّة، تهدف إلى تعزيز المشاركة المجتمعيّة والتعايش بين التلاميذ. ويمكن إعطاء برنامج "ألوان" كنموذج.
لجهة التطوير المهني للمعلمين:
- بناء تصوّر متكامل وعملي لآليّة تدريب المعلّمين ومتابعتهم، إنطلاقًا من فلسفة المنهج، مع التركيز على تنمية الثقافة الرقميّة لديهم.
- تدريب المعلّمين على استخدام طرائق تعليم تنمّي "مواطنة المشاركة" مثل التعليم بواسطة "الحوار حول الأمور الساخنة"، ومشاريع خدمة المجتمع ولعب الأدوار والرحلة التربويّة الهادفة والتقصّي والاستكشاف، ومحاكاة أعمال مؤسسات الدولة والمحاكم... وتأمين المتابعة والدعم اللازمين لحسن تطبيق هذه الممارسات.
- وضع آليّة تنسيق بين معلمي التربية الوطنية والتنشئة المدنية وبين معلمي سائر المواد المدرسيّة عبر مقاربة عابرة للمواد، بحيث تترسّخ المفاهيم الاجتماعيّة عبر الخدمة الاجتماعيّة، والقيم المفاهيم البيئيّة والانسانية عبر التكامل في المشاريع بين مختلف المواد.
- تدريب المعلّمين على استخدام التكنولوجيا، في مراحل تحضير الدرس وتنفيذه وتقييمه والتفكّر فيه بشكل ذاتي ومع الزملاء، في المدرسة وخارجها.
- تأسيس مجموعات تعلّم مهني Professional Learning Communities يتلاقى ضمنها المعلّمون في لقاءات حيّة وافتراضيّة للتفكّر في ممارساتهم المهنيّة وتشاركها، ولإنتاج بطاقات تحضير ووسائل تعلّميّة سويًا.
لجهة الموارد التربوية ضمن المادة:
- وضع سلّة من الرزم التعليميّة بتصرف المعلّمين (رزم متوافرة حول المهارات الحياتيّة، السلامة المروريّة، التربية من أجل التنمية المستدامة، الصحّة الإنجابيّة...)، وعدم الاقتصار على كتاب مدرسي.
- تزويد المعلّمين بأدلّة عمليّة حول النشاطات الميدانيّة التي يمكن أن ينفّذوها مع التلاميذ، وأهدافها ومنهجيّتها وشروط نجاحها.
[1] يمكن قراءة التقرير الكامل للدراسة على موقع المركز التربوي www.crdp.org.
[2] أستاذة وباحثة في كلية التربية- الجامعة اللبنانيّة، مستشارة تربويّة في المركز التربوي للبحوث والإنماء.
[3] أستاذ محاضر في كلية التربية- الجامعة اللبنانية، وفي جامعة القديس يوسف وجامعة الكسليك، خبيرة في لجنة تحديث منهج التربية الوطنيّة.