في إطار العمل على تطوير المناهج التربوية ، أقامت كليّة العلوم في جامعة بيروت العربية بالتعاون مع تجمّع أساتذة الفيزياء في لبنان ندوة علمية عبرالإنترنت (Webinar) بعنوان "المواد المشعّة في حياتنا اليومية – "Radioactivity in Everyday Life، تم في خلالها التطرّق إلى كيفية تقديم المواد المشعّة في المنهاج التعليمي اللبناني، عبر عرض مفصّل للتطبيقات والاستعمالات الحياتية للمواد المشعّة. كما تم نقل الندوة في بث مباشرعلى الفيسبوك للمهتّمين، وعند الانتهاء تمكن المتابعون من الحصول على شهادة مشاركة إلكترونية وقّعها كلٌّ من عميد كلية العلوم في الجامعة العربية ومنسق تجمع أساتذة الفيزياء في لبنان.
نهرا :
افتتحت الندوة بكلمة لرئيس المركز التربوي للبحوث والإنماء بالتكليف الأستاذ جورج نهرا قال فيها :
يسعدنا أن نلتقي أساتذة جامعيّين وثانويّين وتربويّين بشكل عام لمناقشة واقع تعليم الفيزياء الحديثة وآفاقه.
بداية نشكر دعوة تجمع أساتذة الفيزياء في لبنان الكريمة، ونهنّئه بهذا النّشاط.
لقد تمحورت الغاية من إنشاء المركز التربوي حول أمور عدّة منها:
- التّفاعل مع التقدّم العلمي والتطوّر التّكنولوجي والثّقافي في العالم.
- تحسين نوعيّة التّعليم في لبنان والعمل على تطوير التربية والنّهوض بها.
وقد حدّدت مناهج 1997 للمرحلة الثّانوية أهدافًا طموحة، ومنها:
- استيعاب المفاهيم والنّظريات في مجالات الثّقافة والعلوم والتّكنولوجيا وحسن توظيفها.
- تحديد الصّعوبات والمشكلات وتحليلها بمنهجية علمية عن طريق التّفكير المنهجي والبحث العلمي.
- الابتكار والابداع وتذوّق المظاهر الجماليّة والتّفاعل مع الإنجازات الفنّية والعلميّة والتكنولوجية.
غير أن ترجمة هذه الغايات والأهداف عمليًّا بقيت قاصرة وقد برز ذلك بشكل جلي في نتائج الاختبارات العالميّة مثل TIMSS وPISA.
لدينا مشاكل جوهريّة في طرائق التّعليم بشكل عام وكذلك في عمليات التّقويم، أمّا في الطرائق فلدينا نقص في استخدام الأساليب التمثيليّة والرّسوم الساكنة والديناميّة، الّتي تعلّم التلامذة كيفيّة وصف المسائل بالأشكال، ومن ثمّ معرفة طريقة ارتباط العوامل والمتغيّرات ببعضها، وبالتالي ترسيخ المفاهيم، كما أنه لدينا نقص في العمل المخبري ونشكو كذلك من ندرة الأنشطة العلميّة الإثرائيّة خارج الغرف الصفيّة، مثل: الرّحلات الميدانيّة، زيارة الأرصاد الفلكيّة، إقامة النّقاشات مع العلماء، الخ...
وحيال هذا الواقع نرى وجوب اعتماد منهجيات البحث العلمي لتشمل كافة موضوعات التّعليم لبناء الفكر النقدي والاستقصائي والاستدلالي، ونساهم بذلك ببناء المتعلّم الذاتي مدى الحياة، لأن سمّة العصر هي التغيّر الدائم نتيجة الاكتشافات العلميّة المتسارعة وتطبيقاتها التكنولوجيّة وتأثيراتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة.
أمّا فيما يرتبط بموضوع المحاضرات اليوم أي الفيزياء الحديثة في مجال الذرّة ونواتها فإنّ مناهجنا تتطرّق بشكل بسيط من خلال مادتي الكيمياء والفيزياء إلى نماذج تكوين الذرّة وإلى الطّاقة النوويّة وبعض تطبيقاتها في مجالات الطبّ والجيولوجيا والاركيولوجيا، وإذا ما قمنا بمقارنة حتّى على مستوى المحتوى فنحن لا نزوّد طلّابنا بما يجعلهم بمستوى أقرانهم في دول أخرى.
غير أن قراءتنا للواقع تجعلنا نتطلّع نحو الانتقال من التلقين إلى البحث العلمي الذي يرسخ بتلامذتنا قيّمًا أساسيّة بات من المسلّم به أنّها من طبيعة العلم مثل: العمل الفريقي- التعاوني- التشاركي.
ونتطلّع كذلك نحو الانتقال بالعمل المخبري من مجرّد المشاهدة إلى التّجربة الّتي ينفّذها التلامذة باتباع خطة جاهزة أو ببناء خطة التّجربة وفق تصوّراتهم البحثيّة وأخيرًا بالعمل على تفعيل التقويم في المجال المخبري.
ونتطلّع أخيرًا نحو تركيز النّشاط الصفّي على المحاكيات المصمّمة لنمذجة وتمثيل المفاهيم والأحداث سواء باستخدامها من قبل الأساتذة في عمليّة الشّرح أو بجعل تصميمها موضوعًا بنّائيًا يقوم به التلامذة ضمن أبحاثهم.
إذن فإنّ رؤيتنا لتطوير تعليم العلوم ترتكز إلى منهجيات البحث العلمي وإلى إدخال الهندسة بأبعادها العلميّة والاجتماعيّة والفنيّة في تعليم العلوم.
عوض :
ثم تحدث عميد كلية العلوم في جامعة بيروت العربية الدكتور رمضان عوض، فأثنى في كلمته على التعاون بين جامعة بيروت العربية وتجمّع أساتذة الفيزياء في لبنان وأشار إلى التأثير الكبير للمواد المشعة في تطوير التكنولوجيا والعمليات الصناعية، وأهمّيتها في دراسة الكائنات الحيّة وتشخيص وعلاج الأمراض، متمنيًا للمشاركين الإفادة والاطلاع نحو مستقبل أفضل من المعرفة.
المشاركون :
وتضمنت الندوة عروضًا للمحاضرين: الأستاذ حسن قمر الذي عرض لكيفية تقديم المواد المشعة في المنهاج اللبناني، تلاه الدكتور محمد سالم بدوي الذي قدم عرضًا مسهبًا عن كيفية استخدام هذه المواد في مختلف القطاعات التكنولوجية.
وبعدهما الدكتورة زينب السيد التي شرحت استعمالات المواد المشعة في التشخيص، وكان الختام مع الأستاذ نمر نعيمة الذي قدم شرحًا مفصلًا عن كيفية إنتاج النظائر الطبية المشعة المستخدمة في القطاع الطبي.
عرض الأستاذ حسن قمر أستاذ الفيزياء ومنسق تجمّع أساتذة الفيزياء في لبنان الواقع التعليمي للمواد المشعة في المنهاج اللبناني تخلّله شرح لتطوّر محتوى المادة التعليمية المرتبطة بالمواد المشعة التي تبدأ في الصفّين التاسع أساسي والثانوي الأول وفيهما عناوين مرتبطة بالنواة والذرّة والنظائر المشعّة، ثمّ تُقدَّم المواد المشعة بشكل تفصيلي في الصفوف النهائية بفروعها كافّة (علوم حياة، وعلوم عامة، واقتصاد واجتماع، وآداب وإنسانيات). ففي فرعي الآداب والإنسانيات والاقتصاد والاجتماع تمّ تصنيف مواد العلوم كافة ومن ضمنها الفيزياء كثقافة علمية وذلك "يسمح للتلميذ باكتساب المعارف والمهارات التي تجعله قادرًا على المشاركة في المناقشات العلميّة". أمّا في فرعي "العلوم العامة" و"علوم الحياة" فمادة الفيزياء لها الحيّز الأكبر لأنّها تتضمّن معالجة أكثر عمقًا من تلك التي وردت في الفرعين السابقين. وفي خلال العرض تمّ التطرّق إلى الكتاب الرسمي الصادر عن المركز التربوي للبحوث والإنماء الذي لم يتم فيه مراعاة الأهداف العامة للمنهاج من حيث وجوب ارتباط المادة التعليمية بالحياة اليومية وعمل الأجهزة وارتباطها بالتكنولوجيا، ومع مرور الوقت انحرف المسار عن الأهداف العامة من حيث الميول المتزايد إلى تعزيز مفاهيم الرياضيات على حساب المحتوى الفيزيائي. وأشار الأستاذ قمر في نهاية عرضه أنّه على الرغم ممّا ورد في الأهداف العامة للمنهاج من تأكيد على ضرورة ترابط المواد العلمية فيما بينها من جهة وترابطها مع التكنولوجيا من جهة أخرى (Interdisciplinary)، غير أننا انتهينا الى الفصل الكامل بين هذه المواد والتركيز على الجانب المعرفي في التقويم على حساب العمل المخبري والسعي إلى بناء طرائق ذهنية بدل العمل على مراكمة المعارف.
أما الدكتور محمد سالم بدوي رئيس قسم الفيزياء في كلية العلوم في جامعة بيروت العربية فقد قدم عرضًا مسهبًا عن كيفية استعمال المواد المشعة في عمل الأجهزة والمعدّات. بدأ بعرض أنواع الاشعاعات (Radiation)، والمعدات المستعملة حاليًّا للكشف عن المواد المشعّة، إضافة إلى كيفية عمل المحطات الكهربائية العاملة بالمواد المشعة، والاستعمالات الصناعية، والطبية، والزراعية، والعسكرية، وفي علم الآثار. فعلى سبيل المثال يتم استعمال النظائرCs-137 و Co-60 لقياس مستوى السوائل المعبأة في علب معدنية وفقا لمواصفات محددة، كما يتم الاستعانة بها لكشف العيوب الصناعية في بنية الأعمدة المعدنية المخصّصة للمشاريع الكبرى والتي تقتضي مواصفات محددة لجهة السماكة أو الصلابة. كذلك يتم استعمال النظير المشع Na-24 لكشف موقع التسرّب في الأنابيب الممددة داخل الأرض عند تعذّر التفقّد المباشر. أمّا في القطاع الطّبيّ فالاستعمالات متعدّدة فهناك النظيرTc-99 وI-131 اللذين يستعملان في التشخيص وإمكانية معالجة الأمراض السرطانية وكذلك تستعمل المواد المشعة بالعلاج باستعمال النظائر P-32، I-131 وغيرها... كما انها تستعمل لتعقيم المعدات الطبية (Co-60) وتحسين المحاصيل الزراعية (Co-60) و (Cs-137) وبالإضافة الى كل ما تقدّم تعدّ النظائر المشعة الوسيلة الابرز لقياس عمر المتحجرات في الجيولوجيا كما في علم الآثار.
أمّا الدكتورة زينب السيد فقد ركّزت في مداخلتها على استعمال المواد المشعة في التشخيص العلاجي وأشارت إلى أنّ المواد المشعّة غير خطرة إذا ما تمّ احترام البروتوكولات العالمية الخاصة بالوقاية الاشعاعية التي تنصّ عليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، وعرضت ثلاث تقنيات للتصوير وهي: الأشعة السينية (X-Ray and CT)، التصوير المقطعي بانبعاث البوزيترون (PET) والرنين المغناطيسي النووي (NMR). فالأجهزة التي تعمل بوساطة الأشعة السينية تقوم بإطلاق الأشعة عبر الأنسجة المستهدفة ويتم تحليل الصورة بحسب كمية الأشعة التي تم امتصاصها بناءً على كثافة المواد التي تمرّ من خلالها وقدرتها على توهين الأشعة (Attenuation)، كذلك شرحت آلية فحص CT أو التصوير المحوري المقطعي التي تعمل أيضًا بالأشعة السينية غير أنها تعطي صورة دقيقة للأعضاء الداخلية بشكل مقطعي أفقي وعمودي. أما التصوير المقطعي بانبعاث البوزيترون (PET) فيستعمل لدراسة تدفق الدم، وتشخيص الأمراض والكشف عن الأورام السرطانية الخبيثة.
أمّا المداخلة الختامية فكانت للأستاذ نمر نعيمة بعنوان "أهمية السكلوترون في الطب النووي (The importance of cyclotrons in Nuclear medicine) وقد شرح مساهمة السكلوترون بتسهيل عمل الأطباء وتوفير العلاج للمرضى من خلال إنتاج النظائر المشعة الضرورية للعلاج بعد أن كانت تنتج سابقًا بوساطة المفاعلات النووية التي لم تكن متوافرة إلاّ في الدول المتقدّمة، وكل سكلوترون يكون مرتبطًا بوحدة معالجة (Synthesis Module. والسكلوترون هو مسرّع للجسيمات المشحونة حيث تتحرك في مسارات حلزونية تحت تأثير حقل مغناطيسي ثابت ومتعامد مع حقل كهربائي متناوب. وقد تطورت السكلوترونات مع الوقت وتم تصنيفها بحسب الطاقة التي تحملها الجسيمات، ففي النماذج الصغيرة يتم تسريع الجسيمات فتصير طاقتها الحركية 4 MeV وهي مستعملة لإنتاج النظير18 للأوكسجين أما النماذج الأكبر فتستعمل لإنتاج النظائر مثل F-18، C-11، وغيرها.
أما بالنسبة للتصوير فقد تم تطوير تقنيتان هما: التصوير المقطعي بالانبعاث البوزيتروني (positron emission tomography) المعروف تحت مسمى PET والتصوير المقطعي المحوسب بإصدار فوتون واحد (single photon emission computed tomography) والمعروف ب SPECT. وتعتمد هاتان التقنيتان على حقن المريض بمادة إشعاعية (يمكن اقتفاء أثرها) لإظهار نشاط الأنسجة أو الأعضاء المصابة، وهذه المواد تمتصها أعضاء معينة (أهداف) تظهر مضيئة أكثر من غيرها من خلال التقاط أشعة "غاما" المنبعثة عنها من خلال كاميرات خاصة. أما فوائد هذه التقنيات فيمكن اختصارها بالنقاط التالية:
- كشف أكثر دقة لأماكن الإصابات.
- رصد أكثر دقة لمرحلة الإصابة بهدف أخذ الخزعات لمزيد من التحليل أو العلاج.