الاشكالية الأولى:
موضوع التمويل: هل تم الطلب من الدولة اللبنانية الحصول على اموال لهذه العملية الوطنية بامتياز ورُفض هذا الطلب، ما جعلكم تتحولون إلى المصادر الخارجية ومنها الجهات المانحة او المجتمع الدولي؟ هل برأيكم يمكن تطوير مناهج تربوية بأموال خارجية؟ ماذا لو فرضت هذه الجهات شروطاً أم أن هناك اتفاقاً مسبقاً حول عدم التدخل في مفاصل العملية لا سيما لجهة التوجهات والأهداف العامة؟
إن المناهج التربوية هي جزء من سيادة الدولة وبالتالي فإن لبنان لم يسمح ولن يسمح بتعليم النازحين إلا بناء على المناهج اللبنانية، على الرغم من الفوارق في لغات تدريس العلوم والرياضيات وغيرها من تاريخ وجغرافيا واقتصاد...
إن الهبات الدولية غير مشروطة، وإن لبنان حاز ثقة المجتمع الدولي، بوصفه دولة مضيفة لعدد هائل من النازحين يفوق طاقة دولة كبرى، وبالتالي فهو دولة متضررة تحظى بالدعم نفسه أو أكثر لكي تتمكن من القيام بأعباء تعليم النازحين.
انطلاقًا من ذلك كان تكليف المركز التربوي بإعداد مناهج لبنانية مخففة تشكل مدخلاً للتلامذة النازحين للتأقلم مع المناهج اللبنانية وهي تتضمن مقاربات مبسطة للمفردات الأجنبية الأساسية لفهم العلوم والرياضيات ومعرفة اللغة الأجنبية. وتمّ إنجاز هذه المناهج وتقديمها للنازحين في دورات مكثفة.
كذلك فإن الموازنة اللبنانية التي لم يتم إقرارها منذ العام 2005، وفي ظل تدني مداخيل الدولة، لا تتمكن أساساً من إيجاد اعتمادات إضافية كبيرة تكفي لورشة تطوير المناهج الشاملة وجعلها تفاعلية . من هنا كان نجاح معالي وزير التربية والتعليم العالي في إقناع الجهات الدولية المانحة بتمويل تطوير المناهج اللبنانية كجزء من المساهمات الدولية في دعم المجتمعات المتضررة من النازحين، سيما وأن الدول المضيفة مثلنا تستفيد من دعم يبلغ أضعافاً لما يستفيد منه لبنان.
وبالتالي فإننا نمارس سيادتنا التامة
على مناهجنا بدعم دولي غير مشروط ومن دون أي تدخل خارجي في مضامين مناهجنا وتوجهاتها وأهدافها.
الاشكالية الثانية:
وقع المركز التربوي للبحوث والإنماء اتفاقية مع مؤسسة أديان لإعادة النظر بمنهجي مادتي «التربية المدنية والتنشئة الوطنية» و «الفلسفة والحضارات» بتمويل من السفارة البريطانية. المؤسسة تطرح ادماج مفهوم المواطنة ضمن التنوع الديني. هل يمكن تبني مثل هذا المفهوم ضمن الدولة؟ هل يمكن أن تكون المواطنة تحت سقف الميثاقية أم أن التنوع الديني يجب أن يكون تحت سقف المواطنة؟ هل يمكن القبول بالتمايز في الحقوق في مجتمع المواطنة؟ هل نريد أن نبني مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات أم رعايا طوائف؟ ألا يعيد الحديث عن احترام الهوية الطائفية الشخصية للتلميذ انتاج المجتمع الطائفي نفسه؟ ألا يخدم ذلك المنظومة القائمة نفسها؟ ماذا لو لم يعُد النظر بالتعليم الديني في المدارس وهذا ما لم تبد مؤسسة أديان في سؤالنا لها استعداداً لطرق بابه؟ ألا يعني ذلك توسيع باب هامش التعليم العقائدي على حساب التعليم عن الدين أو الثقافة الدينية إلى أي مدى تخدم مثل هذه الشراكة في بناء مناهج لوطن؟ استطراداً يحكى عن بناء انسان مسالم غير هجومي وغير عدائي ألا يخدم ذلك المنظومة القائمة أيضاً؟
إن الاتفاق مع مؤسسة أديان محكوم بضوابط الدستور اللبناني والقوانين والأنظمة والمراسيم التي يحدد مجلس الوزراء في خلالها دقائق وتفاصيل المواد. وبالتالي فإن التعاون مع هذه المؤسسة هو ضمن التعاون مع المجتمع المدني والجمعيات المتخصصة والناشطة، ومع المؤسسات التربوية الخاصة والرسمية، وتمر مضامينه وتوصياته وتوجهاته عبر اللجنة العليا للمناهج ووزارة التربية ومجلس شورى الدولة ومجلس الوزراء. وبالتالي فإن اللبنانيين على تنوع طوائفهم وتوجهاتهم الإيمانية يعيشون تحت سقف المواطنة الحاضنة للتنوع، ويحلون مشاكلهم بالحوار والسلام، ضمن مقتضيات القوانين والانظمة الراعية للحياة.
والجدير ذكره أننا لسنا المجتمع الوحيد في العالم الذي يضم أدياناً وطوائف ومذاهب متنوعة، غير أن القانون يحكم حياة هذه المجتمعات وينظم شؤونها، ويفرض احترام الآخر المختلف والقبول به .
عنوان الشرعة الوطنيّة المنبثقة عن مشروع أديان "التربية على المواطنة الحاضنة للتنوّع الديني" وفي هذا جواب كاف وشاف هي المواطنة التي ترعى "وتدير" هذا التنوًع في الاتجاه المطلوب وليس العكس. والتنوّع الديني واقع في لبنان! فهل كان الواقع الدستوري والقانوني في لبنان مصدر غنى أم سبب ويلات ؟
إذاً نحن وطن يحتضن مواطنين ذوي تنوّع ديني وهويّة مركبّة. وقد حاول البعض إلغاءنا ، وحاول آخرون صهرنا، وهناك من أراد تقسيمنا، كما اقترح آخرون تهجيرنا !... كأن التنوع خطيئة أو عار أو مذلّة.
فلا أرى أي الخطأ في أن نصبح مواطنين لبنانيين ومؤمنين! وأن يكون التنوّع مصدر غنى!
قد يكون مفهوم المواطنة الحاضنة للتنوع الديني مدخلاً لتبني مفهوم التثاقف الذي قد يساهم في اخراج اللبنانيين من الانتماءات المتنوعة المتنافرة إلى استثمار التنوع لإنتاج ثقافة وطنيّة جامعة.
إن المبدأ هو ادماج مبدأ التنوع الديني أي احترام التنوع الديني ضمن مفهوم المواطنة وليس العكس. فقد نص الدستور اللبناني أن في مقدمته أو بنوده على احترام التنوع الثقافي والمناطقي والسياسي والاجتماعي... بما في ذلك التنوع الديني.
الدستور والقوانين اللبنانيّة هي المرجعيّة الأساسيّة التي استندت إليها خطة النهوض التربوي وتشكل جميعها المظلّة لأي منهج تربوي المنهج يتجّه ناحية بناء التفكير الناقد والعلمي لدى المتعلّم، وبناء شخصيّته المستقلّة وثقته بقدرته على التغيير، وتنمية وعيه لحقوقه وآليات المطالبة بها والدفاع عنها ناهيك عن تدريبه على المواطنة الفاعلة وعلى المشاركة في القرار القدرة على المساءلة والمحاسبة ... وعليه، نعوّل على أجيال من المواطنين تتفاعل مع القضايا الوطنيّة بعقلانية وانفتاح وتسعى لتحويل الاختلاف إلى غنى وإلى حلّ النزاعات بالحوار وإلى إنتاج ثقافة وطنيّة جامعة ينتج عنها مواطن لا طائفي قادر على فرض التغيير، لا رعايا منقادين.
ثقافة المقاومة هي ثقافة دفاعية غير هجوميّة ! نحن نتكلم عن انسان مسالم ولكن غير مستسلم المسالمة لا تعني الخنوع ولا الجبن ولا الخوف ولا الهروب، إنها ثقافة الإنسان الذي لا يعتدي على حق سواه ولا يتنازل عن حق له ولا يتخاذل عن الدفاع عن حقه وانتزاعه، ولا يتوانى عن الدفاع عن قضيّة محقة أياً كان صاحب الحق ـ
الاشكالية الثالثة:
يحكى عن أن العملية تجري بشيء من السرعة ان لم نقل تسرعاً لتحقيق انجاز ما ربما فهل هذا صحيح واذا كان صحيحاً أليس هناك حذر في ذلك؟
انتاج المناهج والكتب يتبع جدولاً زمنيًا وليس ضمن حيز مفتوح من الوقت، ويتبع الخطوات والآليات القانونية المرعية الاجراء. ويجب أن يحظى كل منهم بموافقة عدة فرقاء. بدءًا بالمركز التربوي للبحوث والإنماء، اللجنة العليا للمناهج، وزير التربية والتعليم العالي، مجلس الوزراء ومجلس الشورى الخ... وبالتالي لا تسرّع ولا سرعة إنما خطوات أكاديمية وقانونية ملزمة.
لذلك إن العمل جدي ويتمّ وفق معايير الجودة ويخضع للمراجعة.